فصل: 327- باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تطريز رياض الصالحين



.327- باب النهي عن الفحش وبذاء اللسان:

1734- عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بالطَّعَّانِ، وَلا اللَّعَّانِ، وَلا الفَاحِشِ، وَلا البَذِيِّ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
الطعَّان: العياب للناس، واللَّعَّان: كثير اللَّعن، والفحش: القول السِّيء.
والبذاء: السفه والفحش في النطق وإن كان صادقًا، وعطفه على الفاحش من عطف العام على الخاص.
1735- وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إلا شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إلا زَانَهُ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
فيه: استحباب الحياء وذم الفحش؛ لأن صاحب الحياء يدع ما يلام على فعله، والفاحش لا ينظر لذلك.

.328- باب كراهة التقعير في الكلام، والتشدُّق فيه وتكلف الفصاحة واستعمال وحشي اللُّغة:

ودقائق الإعراب في مخاطبة العوام ونحوهم.
1736- عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلاَثًا. رواه مسلم.
«المُتَنَطِّعُونَ»: المُبَالِغُونَ فِي الأمُورِ.
قال الخطابي: المتنطعون: هم المتعمقون في الشيء المتكلف البحث عنه على مذاهب أهل الكلام، الداخلون فيما لا يعنيهم، الخائضون فيما لا تبلغه عقولهم.
1737- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَلِيغَ مِنَ الرِّجَالِ الَّذي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ البَقَرَةُ». رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ).
قال في (النهاية): أي الذي يتشدَّق بلسانه في الكلام ويلفه، كما تَلُفُّ البقرة الكلأ بلسانها لفًا.
1738- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَومَ القِيَامَةِ، أحَاسِنكُمْ أَخْلاَقًا، وإنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ، وأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَومَ القِيَامَةِ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهِقُونَ». رواه الترمذي، وقال: (حَدِيثٌ حَسَنٌ). وقد سبق شرحه في بَابِ حُسْنِ الخُلُقِ.
الثرثار: كثير الكلام. والمتشدق: المتكلم بملأ فمه تفاصحًا وتعظيمًا لكلامه. والمتفيهق: المتكبر.

.329- باب كراهة قوله: خَبُثَتْ نَفْسي:

1739- عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسي، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسي» متفق عليه.
قالَ العُلَمَاءُ: مَعْنَى «خَبُثَتْ»: غَثَتْ، وَهُوَ مَعْنَى: «لَقِسَتْ» وَلَكِنْ كَرِهَ لَفْظَ الخُبْثِ.
قال الخطابي: فعلَّمهم الأدب في النطق، وأرشدهم إلى استعمال اللفظ الحسن، وهجران القبيح منه.
وقال البخاري: باب لا يقل خَبُثَتْ نفسي. وذكر الحديث.
قال الحافظ: قال الخطابي: تبعًا لأبي عبيد: لقست، وخبثت بمعنى واحد، وإنما كره صلى الله عليه وسلم من ذلك اسم الخبث، فاختار اللفظة السالمة من ذلك، وكان من سنته تبديل الاسم القبيح بالحسن.
وقال غيره: معنى لقست، غشت وهو يرجع أيضًا إلى معنى خبثت.
وقال ابن بطال: هو على معنى الأدب، وليس على سبيل الإيجاب.
وقال ابن أبي حمزة: النهي عن ذلك، للندب، والأمر بقوله: لقست، للندب أيضًا.
قال: ويؤخذ من الحديث: استحباب مجانبة الألفاظ القبيحة والأسماء، والعدول إلى ما لا قبيح فيه، والخبث واللقس وإنْ كان المعنى المراد يتأدى بكل منهما، لكن لفظ الخبث قبيح، ويجمع أمورًا زائدة على المراد بخلاف اللقس، فإنه يختص بامتلاء المعدة. انتهى ملخصًا.

.330- باب كراهة تسمية العنب كرمًا:

1740- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا تُسَمُّوا العِنَبَ الكَرْمَ، فَإنَّ الكَرْمَ المُسْلِمُ». متفق عليه، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية: «فَإنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤمِنِ». وفي رواية للبخاري ومسلم: «يَقُولُونَ الكَرْمُ، إنَّمَا الكَرْمُ قَلْبُ المُؤْمِنِ».
1741- وعن وائلِ بنِ حُجرٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَقُولُوا: الكَرْمُ، وَلكِنْ قُولُوا: العِنَبُ، والحَبَلَةُ». رواه مسلم.
«الحَبَلَةُ» بفتح الحاء والباء، ويقال أيضًا بإسكان الباء.
قال البخاري: بابُ قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الكَرْمُ قلب المؤمن»، وقد قال: «إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة». كقوله: «إنما الصرعة الذي يملك نفسه عند الغضب». كقوله: «لا ملك إلا الله». فوصفه بانتهاء الملك، ثم ذكر الملوك أيضًا فقال: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: 34]. وذكر الحديث.
قال الحافظ: غَرضُ البخاري أنَّ الحصر ليس على ظاهره، وإنما المعنى: أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن، ولم يرد أن غيره لا يسمى كرمًا، كما أن المراد بقوله: «إنما المفلس». من ذكر، ولم يرد أن من يفلس في الدنيا لا يسمى مفلسًا.
وبقوله: «إنما الصرعة». كذلك: وكذا قوله: «لا مَلِكَ إلا الله». لم يرد أنه لا يجوز أنْ يسمى غيره ملكًا، وإنما أراد الملك الحقيقي، وإنْ سمّي غيره ملكًا، إلى أنْ قال: قال الخطابي: ما ملخصه: أنَّ المراد بالنهي تأكيد تحريم الخمر بمحو اسمها، ولأن في تبقية هذا الاسم لها تقرير لما كانوا يتوهمونه من تكرم شاربها، فنهى عن تسميتها كرمًا. وقال: «إنما الكرم قلب المؤمن». لما فيه من نور الإيمان، وهدى الإسلام. انتهى ملخصًا.

.331- باب النهي عن وصف محاسن المرأة لرجل إلا أن يحتاج إلى ذلك لغرض شرعي كنكاحها ونحوه:

1742- عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُبَاشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ، فَتَصِفَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَيْهَا». متفق عليه.
قال القاضي عياض: هو الدليل لمالك في سد الذرائع، فإن الحكمة في النهي خشية أنْ يعجب الزوج بالوصف المذكور، فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة، أو إلى الافتنان بالموصوفة.

.332- باب كراهة قول الإنسان: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ»، بل يجزم بالطلب:

1743- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِم المَسْأَلَةَ، فَإنَّهُ لا مُكْرِهَ لَهُ». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم: «وَلكِنْ لِيَعْزِمْ وَلْيُعَظمِ الرَّغْبَةَ فَإنَّ اللهَ تَعَالَى لا يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ».
1744- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إذا دَعَا أحَدُكُمْ فَلْيَعْزِم المَسْأَلَةَ، وَلا يَقُولَنَّ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْتَ، فَأَعْطِنِي، فَإنَّهُ لا مُسْتَكْرِهَ لَهُ». متفق عليه.
قال البخاري: باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له. وذكر الحديث.
قال ابن بطال: في الحديث: أنه ينبغي للداعي أنْ يجتهد في الدعاء، ويكون على رجاء الإجابة، ولا يقنط من الرحمة فإنه يدعو كريمًا. وقال ابن عيينة: لا يمنعنّ أحد الدعاء ما يعلم في نفسه، يعني: من التقصير. وقال الداودي: معنى قوله: «ليعزم المسألة» أن يجتهد ويَلحّ، ولا يقل: إن شئت، كالمستثني، ولكن دعاءَ البائسِ الفقير.

.333- باب كراهة قول: ما شاء اللهُ وشاء فلان:

1745- عن حُذَيْفَةَ بنِ اليمانِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَقُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ وَشَاءَ فُلاَنٌ؛ وَلكِنْ قُولُوا: مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ شَاءَ فُلاَنٌ». رواه أبو داود بإسناد صحيح.
قال البخاري: باب لا يقول: ما شاء الله وشئت، وهل يقول: إنا بالله، ثم بك. وذكر حديث: أبرص، وأقرع، وأعمى.
قال الحافظ: هكذا بتّ الحكم في الصورة الأولى، وتوقّف في الصورة الثانية، وسببه أنها وإنْ كانت وقعت في حديث الباب الذي أورده مختصرًا، لكن إنما وقع ذلك من كلام الملك على سبيل الامتحان للمقول له، فتطرّق إليه الاحتمال.
وكأنه أشار بالصورة الأولى إلى ما أخرجه النَّسائي وصححه من طريق عبد الله بن يسار عن قتيلة، أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئتَ، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة. وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت، إلى أنْ قال: وحكى ابن التين، عن أبي جعفر الداودي، قال: ليس في الحديث الذي ذكره نهيٌ عن القول المذكور في الترجمة.
وقد قال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُواْ إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 74].
وقال الله تعلى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37]. وغير ذلك.
وتعقَّبه بأن الذي قال أبو جعفر ليس بظاهر؛ لأن قوله: ما شاء الله وشئت، تشريك في مشيئة الله تعالى. وأما الآية فإنما أخبر الله تعالى أنه أغناهم، وأن رسوله أغناهم، وهو من الله حقيقة؛ لأنه الذي قدِّر ذلك، ومن الرسول حقيقة باعتبار تعاطي الفعل، وكذا الإنعام: أنعم الله على زيد بالإسلام، وأنعم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالعتق، وهذا بخلاف المشاركة في المشيئة، فإنها منصرفة لله تعالى في الحقيقة، وإذا نسبت لغيره فبطريق المجاز.
وقال المهلب: إنما أراد البخاري أنَّ قوله: ما شاء الله ثم شئت. جائز مستدلًا بقوله: إنا بالله ثم بك، وقد جاء هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جاز بدخول: «ثم» لأن مشيئة الله سابقة على مشيئة خلقه، ولما لم يكن الحديث المذكور على شرطه، استنبط من الحديث الصحيح الذي على شرطه ما يوافقه. انتهى ملخصًا.